أميركــا والإرهــاب المالــي.
د.نسيب حطيط
تتعدد اساليب الحرب الأميركية العالمية بمواجهة حركات التحرر والدول الممانعة، للسيطرة الإستعمارية الحديثة من الغزو إلى الحصار إلى مصادرة الهيئات الدولية والمحاكم والإغتيالات المباشرة وغير المباشرة ،ومنع التقدم العلمي والصناعات المحلية والتخريب الثقافي المنهجي للحضارات والأمم ،وأخر أساليب الحرب الأميركية الناعمة بربارة الإنماء والعمل الخيري والمساعدات الإجتماعية للمحتاجين في دول العالم الثالث، وهذا ما صرح به مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان والذي استطاع أثناء قيامه بمهمة سفير أميركا في لبنان أن يجند بعض الجمعيات والشخصيات السياسية والإعلامية والإجتماعية بعنوان مساعدات وكالة التنمية الأميركية أو تبادل الزيارات والخبرات من خلال استضافة وفود من الإعلاميين والأساتذة والطلاب، حيث صرح بصرف الإدارة الأميركية بما يساوي 500 مليون دولار أميركي لتشويه صورة المقاومة وحزب الله في لبنان مما يعني أن هذه المساعدات تهدف بشكل أساس لعمل أمني وإعلامي ضد المقاومة وثقافتها، وتعميم ثقافة التبعية والتسول والمواقف المدفوعة وفق تسعيرة دولية أو محلية وفق الموقف والزمان والمكان، وهذا ما تتابعه السفيرة الأميركية سيسون بزياراتها إلى القرى والجمعيات الأهلية والتي لا تتجاوز قيمة بعض المساعدات فيها الخمسة آلاف دولار أميركي أو تصليح بعض الدراجات النارية لقوى الأمن الداخلي، أو نفخ بعض الدواليب بعد تصليحها برقعات أميركية.
وقبل إعلان فيلتمان في الكونغرس الأميركي عن مساعداته المفخخة ، كانت الإدارة الأميركية تعلن تخصيص 50مليون دولار أميركي لمساعدة المعارضات الإيرانية وقلب النظام الإيراني ،و التصريح العلني الأميركي عن استخدام المال لقلب الأنظمة ومحاصرة حركات المقاومة وتشويه السمعة، تارة بإتهامها بالإتجار بالمخدرات أو بالمسؤولية عن إغتيالات لا تتحمل مسؤوليتها أو بتحميلها مسؤولية إنهيار الإقتصاد وتعطيل السياحة وزعزعة مشروع الدولة، وتأجيج الصراعات المذهبية وفق برنامج أميركي يتضمن المصطلحات والإتهامات والتوقيت والتنسيق بين هذه الشخصيات والهيئات في حملاتها ضد المقاومة وبعض الأنظمة، بحيث يتم إستغلالها لقلب الحقائق والتضليل كما يحصل الآن في لبنان، حيث أن المقاومة المعتدى عليها يظهرها البعض وكأنها المعتدية ، وتصبح إسرائيل المعتدية هي الضحية ويصبح الإختراق الإسرائيلي للسيادة اللبنانية أمرا مسموحا لحفظ أمن إسرائيل، ولا يحتج عليه أحد من هذه القوى الممولة والمثقفة سياسيا وفق المفكرة الأميركية.
ويصبح سلاح المقاومة المشكلة الأساس بديلا عن السبب الرئيسي المتمثل بالإحتلال والإعتداء الإسرائيلي المستمر، والذي كان السلاح ردة فعل عليه وليس فعلا بحد ذاته ،ويصبح التدخل الأميركي مسموحا بل ومطلوبا ومبررا ومصلحة لبنانية، وتصبح العلاقات حتى الدينية مع إيران جرما وطنيا وإتهاما بالولاء لها ،ويصبح العملاء قضية إنسانية لإعادتهم إلى لبنان وعدم محاكمتهم ويصبح الشهداء في موقع إتهام وإدانة، وتتحول السفيرة الأميركية الى راعية إجتماعية وسياسية وضيفا دائما على السياسيين ومرجعية في الأزمات والقرارات الصعبة، كما جرى في الموقف من العقوبات ضد إيران وغيرها، بل ويتحول أي تصريح لموظف أميركي صغير مستندا، تبنى عليه المواقف السياسية لبعض القوى في لبنان وتشرع الأبواب اللبنانية الرسمية والأهلية أمام الوفود الأميركية والأجنبية وفق منظومة الإستباحة الأميركية للدول وحدودها وسيادتها، والذي لا يستفز أحدا من مدعي السيادة المنقوصة، والذين يرون في إسرائيل جارة ويدعون لبناء أفضل العلاقات مع جيران لبنان، ويدعون أيضا لإغتنام الرياح الغربية لتغيير الأوضاع لصالحهم ويرون في العمالة نتيجة الأمر الواقع والظروف دفاعا عن النفس.
المشكلة أن قوى الممانعة لا تلتزم منهجية المقاومة المشاملة لمواجهة الحرب الشاملة حيث تحول الوعي العام للجمهور الى حصر الفكرة المختصرة للمقاومة بأنها حيازة السلاح والكفاح المسلح والعمل الأمني وهذا ما يضعف جبهة الدفاع عن الأوطان والقيم الحضارية للشعوب فإذا كان تأمين المجاهدين ، أصعب مراحل المقاومة وأخطرها، فإن بقية مكونات المجتمع الثقافية والأكاديمية والإعلامية والإجتماعية والإقتصادية، ملزمة بالقيام بمسؤولياتها خاصة على مستوى المقالات والنداءات والشروحات لتحصين الرأي العام من الإشاعات والأقاويل وقلب الحقائق التي تفبركها أميركا وحلفائها ،وتسخير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة لهذا الغرض وفق منهجية إستراتيجية غير سطحية، حيث أن الإتكال على مقدمي البرامج لتحديد العناوين والضيوف مع سطحية وعدم احترافية بعضهم وعدم وجود هيئة مشرفة وتنسيق بين الإعلام والواقع السياسي ليكون (لكل مقام مقال)ولكل تصريح رد ووتوضيح، ولكل شخصية مثيلها في السجال وليس بشكل(طفولي)وانفعالي.
فإذا كانت المقاومة تفرض منهجا أمنيا وعسكريا لإستيعاب المتطوعين ،فإن المقاومة الثقافية والإعلامية اكثر مرونة بالتنسيق مع أصحاب الخبرات والمستويات الثقافية خاصة وأنهم موجودون ومستعدون للمساهمة في معركة الأمة ولكن ضمن سياق الإحترام وعدم التبعية والمصادرة ،وهذا ما تتحمله المقاومة من جهة وكذلك المثقفون والإعلاميون من جهة أخرى ،
لا بد من مبادرة كلا الطرفين لتأسيس جبهة مقاومة ثقافية وإعلامية لتعميم فكرة المقاومة لدحض ادعاءات المستعمرين والمحتلين وحلفائهم.
الحرب طويلة وقاسية وشاملة ولا بد من الإستعداد لها وتربية الأجيال القادمة لمراكمة الخبرات والوعي ضمانا للصمود، وبعده الإنتصار بإذن الله.